يقتحمون منازلكم... ويتجسّسون

يقتحمون منازلكم... ويتجسّسون

سينتيا سركيس

هم ليسوا أقرباء لكم، ولا أصدقاء، لم ترتدوا معا الجامعة نفسها ولا تجمعكم بهم الاهتمامات ذاتها، لكنهم يعرفون عنكم الكثير، يفرضون أنفسهم، ومن دون إذن، على حياتكم وتفاصيلها الشخصية. يزورونكم مرة في الشهر أو كل ثلاثة أشهر، غير أنّ رقماً واحداً كفيل بجعلهم يروون عنكم أجمل القصص أو أقبحها، إنّهم "جباة الضرائب".

قبل عدة أيام، توجّهتُ إلى المصرف لإنهاء بعض المعاملات، وفيما كنت واقفة أنتظر دوري، وجدت "جابي الكهرباء" واقفا قبالتي، يخلّص فواتيره ويتسامر مع الموظف الجالس خلف الزجاج. وما هي إلا لحظات، حتى اقترب منه رجل وألقى التحية عليه، سأله عن أحواله ومضى في سبيله، فما كان من "الجابي" إلا أن التفت إلى الموظف قبالته وأخذ يسرد على مسمعه "هذا الرجل الذي صافحني، لا تتعدّى فاتورة الكهرباء في منزله الـ20 ألف ل.ل."، وأضاف: "هو بخيل، بالتأكيد انه لا يسمح لأحد بتشغيل التلفاز في المنزل، مثله مثل جاره سمير، الذي إن وصلت فاتورته إلى الـ25 ألفا، أعلمُ فورا أن ابنه عادَ من السفر".

لم أقصد استراق السمع، غير أنّ الرجل صوته جهوريّ، ويبدو غير مكترث في ما إذا لامست أصداء كلماته الآذان، وإذ به يتابع قائلا: "أنا، مثلا، لم تأت يوما فاتورتي أقلّ من 200 ألف ل.ل.، الحمدالله لا أبخل على عائلتي بشيء، نشغّل التلفزيون ليل نهار، وزوجتي تغسل الثياب يوميا، في الصيف لا نطفئ المكيّف، وفي الشتاء أترك المدفئة تعمل طوال الوقت".

في ذلك اليوم، استوقفني كلامه، فهذا الرجل، يزورنا شهريا منذ سنوات، ليسلّمنا فاتورتنا، فماذا تراه يقول عنّا؟ هذا الذي يصنّف البشر بحسب فواتيرهم، ويتباهى بنفسه، ويلصق "تهمة البخل" بكلّ من لم يعجبه مصروفه من الكهرباء، في أي خانة يضعنا؟ امام هذه التساؤلات، لم اجد نفسي، إلا وقد هرعت من غرفة إلى أخرى، أشعل الأضواء في "عزّ النهار"، وفي نفسي جملة واحدة: "صيت غنى ولا صيت فقر".

  • » Home
  • » News
  • » يقتحمون منازلكم... ويتجسّسون

SUBSCRIBE TO NEWSLETTERS

Please enter your e-mail address below to subscribe to our newsletter.

Latest Products

more...
Shop