من قرّر تغييب صوت فيروز؟

من قرّر تغييب صوت فيروز؟

هنادي دياب

من ميزات الهاتف أنّه بإمكانه أن يُسمعَكَ صوتَ مَنْ تحبّ، من تشتاق ومن تحنّ إليه. بإمكانه أن يسمعك صوت صديق طالَ غيابُه، أو حبيب أضناك بُعدُه، أو ابن ذابَ في الغربة. أمّا الراديو، فلعلّ من أكثر ميزاته أنّه لديه "قدرة" على أن يُسمعَكَ... صوت فيروز. ولكنْ، يبدو أنّ عهد الأغنية الفيروزيّة التي كانت تتصدّر "صباحات" الإذاعات اللبنانيّة منذ الزمن الرحبانيّ وتُطَعّم يومَ اللبنانييّن بنعمة وحدَهُ هذا الصوت الملائكيّ يملكها، أصبح، وللأسف، قريباً من أن يولّي.

بالنسبة إلى السياسة المتّبَعة في إذاعة "صوت لبنان" التي تبثّ عبر أثير 93.3، والتي أطلعَنا عليها مدير البرامج فيها شادي معلوف، فإنّها تكرّس ثلاث فترات صباحيّة لبثّ أغاني فيروز. تُستهَلّ الافتتاحيّة الصباحيّة مع فيروز عند الساعة السادسة إلاّ ربع. تكون المحطّة الثانية للأغنية الفيروزيّة عند السابعة إلى السابعة والربع. ويحين وقت المحطّة الثالثة عند الثامنة إلى الثامنة والربع. وبالتالي، كلّ المحطّات الموسيقيّة، صباحاً، محصورة، بشكل عام، بأغاني فيروز، حسبما قال معلوف. وتُقتطَع هذه الوصلات ثلاث مرّات ليتخلّلها بثّ العناوين ونشرة الأخبار والبرامج الصباحيّة.

أمّا بالنسبة إلى سؤالنا عن رأيه في ما يتعلّق بتراجع بثّ أغنية فيروز، بنحو عامّ، عبر كلّ الإذاعات، علّق معلوف بالقول إنّ "المسألة تختلف من إذاعة إلى أخرى وفق أجندة البرامج الخاصّة بكلّ منها. وأصبحت إدارات الإذاعات تلجأ، في أيّامنا، إلى استبدال الوصلات الموسيقيّة ببثّها برامج حيث يأتي الكلام ومخاطبة المستمعين في سيّاراتهم والتواصل معهم ومواكبة حركة المرور وأوضاع زحمة السير التي زادت في السنوات الأخيرة، في الدرجة الأولى، وحيث أمسى هذا الواقع يشكلّ "موضة" الإذاعات. بالتالي، يفرض هذا النوع من البرامج تعليقات وبثّ أغنيات معاصرة تختلف عن الجوّ الذي توجده الأغاني الفيروزيّة التي تضفي طابعاً من الهدوء والصفاء لا يتناسب ربّما مع جوّ البثّ المباشر".

تختلف وجهة النظر عند بعض المواطنين. الياس بركات الذي يستمع يوميّاً إلى أغاني فيروز عبر موقع التواصل الاجتماعي "يوتيوب"، يرى أنّ "قلائل هم من لا يزالون ينقلون أغانيها عبر الأثير بفعل تدنّي مستوى الأغنية اللبنانيّة وعدم استماع الناس إلى الأغنيات القديمة". ساندي نصر تشتكي من "عدم بثّ الأغنية كاملةً بفعل البرامج الصباحيّة التي يكثر فيها الكلام والتعليق"، لذا هي تسمعها على هاتفها عبر التطبيق الخاصّ بأغنيات فيروز.

وتربط الطالبة جويل حكيّم تراجع بثّ أغنيات فيروز بتدنّي المستوى الذي شهدته آذان المستمعين من حيث النوعيّة وخصوصاً لدى الجيل الجديد الذي يضع أغنية فيروز، عموماً، في خانة الأغاني التي انتهى زمنها. بينما ترى هند الأشقر أنّ صوت فيروز لا يمكن سماعه بعد السابعة صباحاً. أمّا جهاد صادق فيُلقي اللّوم على الإذاعات التي تسوّق الأغاني الهابطة وتدعمها كونها تحتاج إلى موارد ماليّة لتحفظ استمراريّتها، ما يعوّد المستمعين، على مرّ السنين، على سماع هذا المستوى. إضافةً إلى غياب جهة رقابيّة مكلّفة من وزارة الثقافة لممارسة دورها على هذا الصعيد. ويرى أنّ الراديو لم يعد يتوجّه إلاّ الى الناس العالقين في زحمة السير، خصوصاً في الصباح، والذين غالباً ما يلجأون إلى تسلية أنفسهم وسط الزحمة، فتتخلّى الإذاعات عن فيروز وتستبدل صوتها بالبرامج لتخاطبهم محقّقةً أرباحاً من الإعلانات التي تُبَثّ.

رغم تراجع نسبة بثّ الأغنية الفيروزيّة عبر الإذاعات اللبنانيّة خلال الفترة الصباحيّة، مقارنةً بالماضي، لا يزال عشّاق فيروز موجودين، ومحتفظين بصوتها وإن كان في هاتف ذكيّ أو على لوح إلكترونيّ. وحتّى لو تراجعت نسبتهم، فإنّ رائحة الوفاء الزكيّة لصوت هذه المرأة لم تنضب بعد، علّه يبقى صوتها القنديل الذي يضيئ أيّامنا السوداء في بلد لم يُتقن معظم زعمائه سوى لغة التآمر...

  • » Home
  • » News
  • » من قرّر تغييب صوت فيروز؟

SUBSCRIBE TO NEWSLETTERS

Please enter your e-mail address below to subscribe to our newsletter.

Latest Products

more...
Shop