ألأنّها إليسا تشرَّبوا

ألأنّها إليسا تشرَّبوا "موطني" من لسانها كالسُّم؟

فاطمة عبدالله

يُستَغرب أن تُرشَق إليسا بالجمر لغنائها "موطني" بذريعة استبدال الطاء بالتاء وتفاصيل أخرى. أبعد من اتقان مَخارج الحروف وسلامة اللفظ، يحضر سؤالٌ حول إحياء أغنية رافقت هَبّات العروبة، وآخر حول إليسا كـ"مادة" جدلية.

قوبل الغناء بفورة غريزيّة، فالمغنية استنهضت نشيداً ظنناه مات، وأدّته بطاقة قليلة وإحساسٍ كثير. المسألة من شقّين: الأغنية بترسّباتها في الذاكرة، وإليسا بانتمائها الديني وهويتها "القواتية". فـ"موطني" التي رافقت لحظات فريدة في البنيان الفلسطيني وأرخت مساراً ما لبناء عراق جديد، تُغنَّى اليوم بصوت إليسا المسيحية واضحة الخطّ السياسي وصريحة الموقف. بعض رافضي ما أتت المغنّية على فعله، لم يربط الرفض بماضٍ آفل تراءت إزاءه المغنية كـ"متطفّلة". حُصِر التهكّم بكيفية اللفظ واحتمال تراخيه أمام صرامة الأغنية، وراحت مواقع التواصل تؤكد حبَّ الجمهور الاستهزاء. فجأة أصبح النقاش: ماذا تغني إليسا؟ "موطني" أم "موتني"؟ "أوه. نو". مَن شجّعها على الغناء بالفصحى؟ مصيبة! ساد ارتباكٌ، فصُرِف النظر عن الأغنية كاستعادة ثقافية - ثورية. لو أنّ أخرى أدّتها لكان البعض هلَّل وهبّت روحٌ ممانعة تشيد بالمَغْنى وترفع القبضات. وإنما إليسا موضوع آخر، لا شأن له طوال الوقت بالقدرة الصوتية والخيار الفني. يرافق "موطني" شعورٌ بعدم الركوع أمام اليأس. تُعيد إليسا الى المسامع نداءً ترك الزمن عليه غباراً ورحل. كان الظنّ أنّ الرومانسية سمة أوطان تولّد أبناء سعداء. تأتي "موطني" من عمق المأساة لتضخّ نبضاً في عروق يابسة. نشيدٌ يعود الى الضوء فيما القيمة تُحتَضر والإرهاب يشوّه ما تبقّى. تغنّي إليسا اعتراضاً على التفتُّت والتشظّي والنزيف، جاعلةً "موطني" زهرةً على أضرحة حزينة. تغنيها علّ صفوفاً تُرصّ وشعوباً تتوحّد. الكثرة استمالتها القشور فحاسبت إليسا على نطقها. كنّا لنوافق لو أنّ المغنّية أساءت الأمانة، فإذا بها تُسدي إليها خدمة بإحيائها. بَعْثُ الماضي الرميم من تحت الأنقاض مجازفة. وإليسا ماهرة لا تنفكّ تجازف وتكسَب.

  • » Home
  • » Entertainment
  • » ألأنّها إليسا تشرَّبوا "موطني" من لسانها كالسُّم؟

SUBSCRIBE TO NEWSLETTERS

Please enter your e-mail address below to subscribe to our newsletter.

Latest Products

more...
Shop