Homepage »     Skip page »

الأزمة العالمية ضاعفَت حجمَ المصارف اللبنانية

إستطاعت سياسات مصرف لبنان المركزي النقدية اجتذابَ الودائع بالرغم من الأزمة الماليّة العالمية بين العامين 2007 و2008. لكنّ هذه السياسات ما زالت رغم الإنجازات بحاجة مُلِحّة لمعالجة التضخّم والبطالة في لبنان.

أظهرَت الأرقام الصادرة عن المصارف اللبنانية في نهاية شباط العام 2014 عن ارتفاع حجم الموجودات في القطاع المصرفي اللبناني إلى 166,01 مليار دولار مقارنةً مع 84,18 مليار دولار في شباط من العام 2008، وهو تاريخ الأزمة المالية التي ضربت أكبر المراكز الماليّة والمصرفية في العالم، وما زالت تداعياتها محور السياسات النقدية في مختلف البنوك المركزية الكبرى.

إنّه ذهول أصحاب الثروات، ومنهم اللبنانيّون المقيمون في لبنان والمنتشرون في مختلف القارّات، أمام ما حصل في المصارف الكبرى، هذه المصارف التي اظهرَت ذهابها بعيداً بالمخاطرة في ممارسة العمل المصرفي، ونتجَ عن ذلك نقصٌ حادّ في السيولة كادَ يجعل النظام الماليّ العالمي ينهار بشكل غير مسبوق.

هذا الذهول الذي انقلب الى قلق كبير في أوساط المودِعين، ودفع الكثيرين منهم الى البحث عن ملاذات آمنة لحماية ثرواتهم، وتلقّف القطاع المصرفي تباعاً ودائعَ اللبنانيين في الخارج ومعهم بعض العرب، وكان ذلك وراء مضاعفة حجم موجودات القطاع المصرفي اللبناني في غضون ستّ سنوات.

هذه السنوات التي عانى لبنان فيها أمنياً وسياسياً تحت تأثيرات إقليمية ودولية مربِكة. كلّ ذلك بالتوازي مع اقتصاد مرهق في السنوات الثلاث الأخيرة. إنّ الحجم الكبير في الودائع المصرفية التي لجأت إلى لبنان قد صبّ لمصلحة المصارف اللبنانية وأظهرَ مدى مصداقية هذا القطاع وقدرته على المحافظة وتعزيز الثقة بأدائه تحت إشراف بنك مركزيّ أنجز الكثير، وخصوصاً على مستوى الاستقرار النقدي وحسن إدارة العمل المصرفي في لبنان. أمّا الودائع المصرفية فارتفعت الى 108,5 مليارات دولار اميركي، منها 43,5 ملياراً بالليرة اللبنانية و65 مليار دولار بالعملات الاجنبية.

وقد ترافقَ كلّ ذلك مع ارتفاع مُوازٍ لموجودات مصرف لبنان المركزي التي تضاعفَت هي الأخرى في الفترة المذكورة لتبلغ 80,6 مليار دولار اميركي. غير أنّ القطاع المصرفي اللبناني لم يستفِد فقط من الأزمة المالية العالمية، بل وأيضاً من احداث الربيع العربي. على أنّ مضاعفات موجودات المصارف كانت لتأتيَ مضاعفةً لو ترافق ذلك مع استقرار أمنيّ أو سياسيّ واقتصادي خلال الفترة المذكورة.

غير أنّ السياسات النقدية لعبت الدور الابرز في اجتذاب الودائع ودعم الثقة. وظهر ذلك جليّاً في تراجع نسبة الدولَرة في ودائع القطاع الخاص والقروض من 76 في المئة و84 في المئة في العام 2006 إلى 66,1 في المئة و76,5 في المئة في العام 2013 وذلك نتيجة المحافظة على الاستقرار النقدي.

غير أنّ إفادة القطاع المصرفي لا تنسحب على الاقتصاد اللبناني بشكل كافٍ ومتكامل، كما أنّها لا تنسحب على الوضع الاجتماعي وخصوصاً على نسبة البطالة، وتحديداً في أوساط الشباب دون الـ 35 عاماً. ورغم الضخّ الكبير للسيولة المصرفية في الاقتصاد اللبناني إلّا أنّه بقي أعجز من أن يحسن نسبة التضخم في البلاد.

علماً أنّ المعادلات الاقتصادية الجديدة أظهرَت ارتباطاً وثيقاً وضيّقاً بين نسبة التضخّم ونسبة البطالة. فبعد ارتفاع نسبة التضخّم في لبنان الى 9,33 بالمئة في العام 2007 نتيجة للفورة في القطاع العقاريّ، عادت لتتراجع وتبلغ 1,1 في المئة في العام 2013. وينعكس ذلك خصوصاً في تراجع حجم الطلب في الاسواق التجارية اللبنانية، وخصوصاً في سوق الألبسة والأحذية.

وقد تراجعت الأسعار بنسبة 7,19 في المئة في العام 2013 كنتيجة مباشرة لسعي التجّار لتحفيز الطلب والشراء من الأسواق، في ردّة فعل على ضعف الطلب التجاري. وبحسب أرقام البنك الدولي فإنّ نسبة البطالة في لبنان بلغت 11 في المئة في العام 2011. وتبقى حصّة الشباب دون الـ 35 عاماً هي الفئة المتأثّرة الأكبر بهذه البطالة، وتبلغ نسبة بطالة الشباب 34 في المئة، بينما الشابات فَـ 18 في المئة.

ويقول الخبراء إنّ السياسات النقدية في لبنان ما زالت عاجزة عن معالجة أزمة البطالة بين الشباب اللبناني. هذه البطالة المرتفعة التي باتت من صلب التركيبة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان. ويبقى المطلوب بإلحاح ان تتوجّه هذه السياسات النقدية لتعالج ما خلّفه التباطؤ في النموّ الاقتصادي. أي أن تعمل بهدف توفير فرص التوظيف من خلال تعزيز الطلب وتعزيز النموّ الاقتصادي.

وهذه النقطة تبقى أساسية وفي صلب المعالجات في كبريات البنوك المركزية العالمية من الولايات المتحدة الاميركية واليابان وبريطانيا وأوروبا... علماً أنّ قروض المصارف للقطاع الخاص زادت 10 في المئة في العام 2013، من 39,6 مليار دولار في 2012 إلى 43,75 مليار دولار في نهاية العام الماضي. وهذه إشارة الى وعي القطاع المصرفي لدوره في ضرورة ضخّ السيولة في السوق اللبنانية، بدعمٍ وتشجيع وتحفيز مباشَر من مصرف لبنان المركزي.

وكان مصرف لبنان قد ضخّ مباشرةً 1,46 مليار دولار خلال العام 2013 في القطاع المصرفي اللبناني بكِلفة متدنية لا تتجاوز الواحد في المئة. وساهمَ ذلك في رفع نسبة النموّ الاقتصادي بنسبة 1,5 في المئة. كما حفّز مصرف لبنان المصارف لتسليف وتمويل تأسيس وإطلاق المؤسّسات والمشاريع الجديدة بكِلفة تمويل تقارب الصفر في المئة.

(طوني رزق - الجمهورية)

Homepage »     Skip page »