ماذا سيتغيّر بعد وصول حماية المستهلك الى المصارف

ماذا سيتغيّر بعد وصول حماية المستهلك الى المصارف

أطلق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الاسبوع الماضي خطة تحديث شاملة للبنك المركزي، سوف يستغرق تنفيذها مدة سنتين. ولم يتمّ الافصاح عن تفاصيل هذه الخطة، وتمّ الاكتفاء بالعناوين العريضة التي تحدثت عن تطوير ودمج حلول وآليات ماكرو ومايكرو احترازية تشمل أحدث النظم في مجال اختبارات الحالات الضاغطة وتصنيف المخاطر والإنذار المبكر. ما هي خلفيات هذه الخطة؟ وماذا يمكن أن تُغيِّر في المشهد المصرفي؟

تغيّر التعاطي الحكومي مع القطاع المالي في الولايات المتحدة الاميركية منذ أزمة العام 2008. هذا التغيير بدأ ينعكس على المشهد المصرفي في العالم كله، على اعتبار انّ الولايات المتحدة رائدة في المجال المالي، ومن الصعب التعامل مع قطاعها المالي من دون توفير آليات تتماشى والآليات المعتمدة لديها، ومن الأصعب الاستغناء عن التعامل مع قطاعها المالي المُهيمن في العالم.

انطلاقاً من هذا الواقع، باشر مصرف لبنان تنفيذ خطة تحرّك جديدة تتماشى والوضع الجديد. ولعلّ الحاكم رياض سلامة يختصر المشهد، من خلال الاشارة الى انّ الاسلوب الجديد في التعاطي، بات يعتمد اكثر على دور المصارف الفردي في تحديد المخاطر، بحيث انّ كلّ مصرف اميركي صار مسؤولاً عن مراقبة أعماله، لأنّ عصا العقوبات الغليظة لن تستثني أحداً.

وهذا يعني في المقابل، انّ المصارف الأجنبية التي تتعامل مع المصارف الأميركية باتت مسؤولة افرادياً عن حماية نفسها من مخاطر قطع العلاقات معها. ومن هنا جاءت الدعوة التي أطلقها سلامة الى المصارف اللبنانية لكي تعمل على دعم علاقاتها مع المصارف الأميركية التي تتعامل معها لطمأنتها.

في المقابل، يعمل المركزي اللبناني على التأقلم مع قواعد اللعبة الجديدة، ومن هنا جاء إطلاق خطة التحديث. صحيح انّ هذه الخطة تشمل تطويراً في العمل ناجماً في الاساس عن ارادة محلية في مواكبة الحداثة دائماً، والحفاظ على مستويات مرتفعة في عالم المال، لكن ذلك لا ينفي انها تحاكي ايضاً المتطلبات الأميركية الجديدة، ومن ضمنها بشكل خاص نقطتين:

أولاً - إدخال تعديلات على اختبارات الضغط التي تخضع لها المصارف، لضمان عدم تكرار تجارب سابقة تعرضت لها دول أخرى من ضمنها الولايات المتحدة، عندما تبيّن أن بعض تجارب الضغط ليست فعّالة، بدليل انّ مصارف اجتازت هذه التجارب بنجاح، ثم ما لبثت ان تعرّضت لنكسات فعلية بعد مرور وقت قصير، بما يعني ان تجارب الضغط لم تُشخِّص الحالة بدقة، ولم تنجح في إعطاء صورة الوضع الحقيقي لهذه المصارف.

ثانياً - استحداث أقسام جديدة في الرقابة على المصارف، من أبرزها فرع حماية المستهلك.

ولا يخفي الحاكم انّ قرار استحداث هذا القسم في لبنان، يجيء تلبية لحاجة داخلية، ويتماهى مع مطالب خارجية. وهذا الأمر، سبق أن أعلنه رئيس الولايات المتحدة الأميركية باراك أوباما بوضوح في حزيران 2009، عندما تحدث في احدى خطبه عن ضرورة وجود جهاز خاص بحماية المستهلك في مجال الخدمات المصرفية، نتيجة زيادة وتكرار شكاوى العملاء في مجال القروض الاستهلاكية والبطاقات الائتمانية.

هذه الوقائع تؤكد انّ حماية المستهلك وصلت فعلياً الى القطاع المصرفي، وعلى المصارف التأقلم منذ الآن مع متطلباتها. مع الاشارة الى انّ هذه المتطلبات قد تساهم بدورها في خفض ضئيل في نسَب الأرباح، على اعتبار انّ المصارف باتت في السنوات الاخيرة تعتمد بشكل أكبر على الخدمات المتنوعة، والمنتجات المُشجّعة على الاستهلاك.

يبقى السؤال، ماذا سيغيّر وجود قواعد لحماية المستهلك في المصارف؟

لا بد من الاشارة الى انّ حقوق المستهلك في القطاع المصرفي تشبه نظرياً حقوقه في القطاعات الاخرى. وهذا يعني أولاً، اطلاعه بوضوح على مضمون السلعة التي يشتريها ونوعيتها وسعرها. وأيّ خلل في هذا الوضع قد يمسّ حقوقه.

 وقد أظهرت دراسات أجريت في مصر عام 2010، نتائج مخيّبة لجهة حقوق المستهلك في تعاطيه مع المصارف. ويمكن البناء على بعض أرقام هذه الدراسة، للحصول على فكرة عن المطلوب في لبنان، مع تسجيل فارق انّ الوضع في لبنان متطور اكثر، وأفضل من الوضع في مصر.

 على سبيل المثال، تبيّن انّ نسبة 78% من الذين شاركوا في الاستطلاع في مصر، يجدون صعوبة في استيعاب تسعيرة المنتجات المصرفية، مثل: الفائدة المفروضة على التعاملات ببطاقة الائتمان أو الحصول على قرض. 30% تقريباً من المتعاملين مع المصارف لا يصلهم كشف الحساب بانتظام.

أكثر من 50% يرى أنّ إجراءات الحصول على قرض غير مناسبة، ولا يمكنه الحصول على القرض بسهولة. 62% تقريباً من المتعاملين يرون أن المصاريف الإدارية التي يحصّلها البنك غير مناسبة. وأفاد 60% من العملاء انه لا يتمّ إعلامهم بالمصاريف البنكية قبل الحصول على الخدمة، و66% من العملاء ليست لديهم دراية بكيفية احتساب الفائدة .

هذه الدراسة تعطي مؤشراً أولياً على أهمية إدخال ثقافة حماية المستهلك الى المصارف. لكنّ الأمر يحتاج الى تفعيل في الاتجاهين، بمعنى ضرورة إدخال الثقافة المصرفية في قاموس المستهلك نفسه، من خلال حملات توعية وتثقيف، من المؤكد انه سيتم إطلاقها بالتزامن مع التحضيرات لإطلاق قسم حماية المستهلك في مصرف لبنان.

في المقابل، ينبغي تغيير بعض أنماط التعاطي مع الزبون في المصارف، بحيث ان رقابة هذا القسم المُستحدث قد تمنع أموراً كثيرة معتمدة حالياً، وستكون القواعد الجديدة مفيدة للمستهلك، لجهة عدم تعرّضه لمفاجآت غير متوقعة عندما يشتري أيّ منتج مصرفي.

تجدر الاشارة أيضاً، الى انّ المصارف اللبنانية باشرت من تلقاء نفسها في تنفيذ قسم من مندرجات حقوق المستهلك، لكنها تحتاج الى بذل المزيد من الجهود لكي ترتقي الى المستويات المطلوبة لتتماشى والمعايير الدولية التي تحرص الولايات المتحدة على تطبيقها مع الدوَل التي تتعاون مع مصارفها.

 (انطوان فرح- الجمهورية)

  • » Home
  • » News
  • » ماذا سيتغيّر بعد وصول حماية المستهلك الى المصارف

SUBSCRIBE TO NEWSLETTERS

Please enter your e-mail address below to subscribe to our newsletter.

Latest Products

more...
Shop